الملخص
یدرس هذا البحث جمالیات الإیقاع فی نصوص الحسن البصری النثری، لیکشف عن الوحدات الناجمة عن الترددات الصوتیة التی تحمل السمات الأسلوبیة، على أننا سنتلمس معیار الانتقاء للتحلیل والمعاینة تجنباً للإطالة والتکرار.
یعرف الإیقاع أنه (ذلک التواتر المتتابع بین حالتی الصوت والصمت ، أو النور والظلام، أو الحرکة والسکون، أو القوة والضعف، أو الضغط واللین، أو القصر والطول، أو الإسراع والإبطاء، أو التواتر والاسترخاء.. الخ، فهو یمثل العلاقة بین الجزء والکل وبین الجزء والأجزاء الأخرى للعمل الفنی أو الأدبی، ویکون ذلک فی قالب متحرک ومنظم فی الأسلوب فی الشکل الفنی) .
ویتضمن الإیقاع الکثیر من العناصر المکونة للنص الأدبی وتواترها فی مقاطع وفواصل زمنیة مرتبة ترتیباً یعتمد على العلاقات التی تشکل الأسلوب. وینبع الإیقاع من کونه (حرکة وزنیة تقررها العلاقات المختلفة بین المقاطع الطویلة والقصیرة أو المؤکد وغیر المؤکد وهو الانطلاق المقیس للألفاظ والتعابیر فی الشعر والنثر).
ویمکننا إعطاء تعریف للإیقاع بأنه تقنیة أسلوبیة لها دورها وأهمیتها البالغة فی تحقیق جمالیة النص، ولا تتحقق فاعلیتها فی النص إلا من تضافر العناصر المنتظمة جمیعا بما فیها من تکرار وتوازنات وتجانسات صوتیة موزعة فی ثنایا النص على شکل مقاطع سواء أکانت طویلة أم قصیرة، أو فواصل تمنح النصوص تماسکها وانسجامها وتناسبها على مسافات معینة من النص، فضلا عن الدور الذی یضطلع به فی نهایات المقاطع والفواصل، فانه یحقق أثراً جمالیاً یفعل التأسیس الصوتی للمتتالیة الجملیة، ویحکم السیطرة على تقبل المتلقی والتأثیر فیه. والإیقاع نوعان؛ إیقاع داخلی وإیقاع خارجی، فالإیقاع الداخلی هو (التوافق الصوتی بین مجموعة من الحرکات والسکنات یؤدی وظیفة سمعیة، بما فیه من انسجام توافقی بین أصوات معینة تأخذ مکاناً وترتیباً مخصوصاً فی بنیة نسیج النص. وأما الإیقاع الخارجی العام فیرتبط بالتوافق الجماعی لا الفردی بتحویله إلى وزن ولهذا فإن کل وزن إیقاع فی حین لیس کل إیقاع وزناً).
وفضلا عن ذلک فإن للإیقاع الخارجی وظیفة مهمة إذ انه (یعمل على الوصول إلى الإیقاع الداخلی العمیق فی الشعریة الذی یقودنا إلى فهم الخصائص الأسلوبیة لهذه الظاهرة). فللأصوات المتکررة فاعلیة کبیرة فی تحقیق انسجام النص إذ إن (کل عمل أدبی فنی قبل کل شیء سلسلة من الأصوات ینبعث عنها المعنى). وهذا یعنی بالضرورة أن (الإیقاع إنما یأتی لدعم الإحساس العام بالانسجام).
وتأسیسا على ما تقدم ولکی تؤدی الدراسة غایتها المرجوة ودورها الأسلوبی بشکل فعال فی إطار المستوى الصوتی لنصوص المدونة النثریة للحسن البصری، وضمن قانون الانزیاح الصوتی، فقد تناولناها فی مبحثین اثنین: الأول الأثر الأسلوبی لتنوع الفواصل، أما الثانی فیتم بدراسة التوازیات الصوتیة ضمن ثلاث آلیات ساهمت فی تشکیل البنیة الإیقاعیة فضلا عن الدلالة وهذه الآلیات هی التوازی والتجانس الصوتی والتکرار.
الكلمات الرئيسة
الموضوعات