الملخص
یزخر دیوان الشعر العربی فی الحقبة الجاهلیة بألوان شتى من اللوحات الوصفیة عن الطبیعة بکل عناصرها ومکوناتها ، لذلک لم یکن ظاهرة غریبة أن یتمثل الشعر الطبیعة بحرکتها وسکونها، وبأحداثها المرئیة المشهودة ، وما توحی به من أمور متخیلة غیر مرئیة .. فانعقدت دراسات عن الطبیعة فی الشعر الجاهلی تکشف عن عمق أثرها فی حیاة الانسان العربی ، وانعکاس مظاهرها فی الشعر انعکاسة قائمة على التفاعل الصمیم بین الطبیعة والشاعر .
ورأیت أن هذه الدراسات لم تول ظاهرة اللیل - وهی ابرز ظواهر الطبیعة - اهتمام یذکر ، سوی شذرات لاتتجاوز حد الإشارة و التلمیح .
واذا کان بین الشاعر والطبیعة من حوله هذا التفاعل الحیوی الفعال فان اللیل الزمن یغطی من مساحة حیاته شطر المناصفة .
فکان هذا البحث - لذلک س- خطوة متأنیة کان باعثها الرغبة فی دراسة هذه الظاهرة دراسة انبثقت خطوطها من طبیعة الحدیث الخاص للشاعر عن اللیل
ومن خلال النصوص الشعریة تبین أن اللیل صور مختلفة شتى ، یجمع بینها رباط نفسی ، و تؤلف بین أجزائها مشاعر ذاتیة تستوحی ابعادها من اللیل الزمن ، فیتحول من خلال هذا التفاعل الى لیل نفسی تنسفح على صفحاته دفقات تلک المشاعر الذاتیة والخلجات الوجدانیة .
ومن خلال هذا الملحظ الفنی ینبثق خطان واضحان متمیزان احتویا تلک المشاعر وتوزعا تلک الخلجات. فکان حصیلة ذلک أن تحدد هذا الخطان فی لیل الرهبة ولیل الألفة .
و ازاء هذین الخطین یبدو لنا . من خلال النصوص المتفرقة - أن هناک خطأ آخر هو خط اللیل الزمن ، الا أن ملامحه لاتحمل من القوة ما لحظه فی ذینک الخطین الواضحین المتسمین بالقوة والفاعلیة . وکان من مقتضیات الوفاء بمتطلبات الدراسة أن عقدنا له حدیثة وجیزة من خلال أمثلته وشواهده دون الحاجة إلى التفصیل والاسهاب، لضیق دلالته التی تکون بمعزل عن الحدث الرئیس فی النص ، فهو لا یعدو أن یکون غیر وعاء للحادث فحسب .
وکان ثمة لزام أن نوضح مدلول الرهبة والألفة وابعادهما النفسیة العامة لیتسق لنا المنهج فی توزیع عناصرهما توزیعة ینأى بعض الشیء عن التعسف والتکلف .
ثم إن اللیل فی أمثلة الرهبة والالفة یشکل الجزء الفعال فی مجمل لوحة الحدث ، بحیث انه لو انسل عنصر اللیل من اللوحة لما کان لها تلک الحیویة الفاعلة ، والخاصیة المتمیزة فی تجسیده معنى الرهبة او الألفة .
ومن أجل ذلک کانت هناک - فی الجزء الأخیر من البحث - دراسة فنیة تکشف عن الدلالات المنسجمة مع عناصر اللیل من الفاظ و تراکیب و موسیقی و صور ، تتضح من خلال هذه العناصر الفنیة أهمیة وجود اللیل الذی یعطی الحادث کما أشرنا - مدلوله الحیوی رهبة کان أو ألفة .
الكلمات الرئيسة
الموضوعات